لا يمكننا انكار ان الذرية من نعم الله على عباده في الدنيا، وقد وصفت في القرآن بزينة الحياة الدنيا. الا ان بعض الازواج يعانون من تأخر الانجاب لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. والكثير منهم يبحث عن العلاج بأي طريقة كانت.
كيف تعرفين متى يحين وقت التوقف عن محاولات الانجاب؟
سواء كنتِ قد خضعتِ لثلاث دورات علاجية أو عشر دورات من مجموعة متنوعة من العلاجات، تكرار الفشل مؤلم جداً نفسياً أكثر منه مادياً. عندما تجدين نفسك في هذا الموقف، سوف تتساءلين ماذا سوف تفعلين بعد ذلك؟
أولاً، فكري في أخذ استراحة من العلاج إذا كنتِ تشعرين بالإرهاق الشديد.
سيمنحك ذلك فرصة للتعافي من الزيارات اليومية للطبيب وحقن الأدوية. كما سيسمح لكِ ذلك أيضًا بتجربة الشعور بـ (عدم الشعور بتأخر الانجاب) وذلك بعد البدء بالاستمتاع بيومك والعمل على هواياتك أو السفر أو قضاء وقتك مع الاهل والاصدقاء. قد تقررين التوقف عن المحاولات العلاجية وترك الأمر لله سبحانه أو قد تجدين نفسك متحمسة لبدء الخطوة التالية بالتوكل على الله سبحانه.
عندما تجدين نفسك على مفترق طرق حول ما إذا كنتِ تريدين إيقاف علاجات الخصوبة، ابدئي بتقييم مدى تأثير عملية العلاج عليك حتى هذه اللحظة.
- ما هي حالة مواردك – المالية، والوقت، والطاقة العاطفية، والطاقة البدنية، والدعم الاجتماعي؟
- هل أنتِ مرتاحة معنويًا أو نفسياً أو جسدياً لخيارات العلاج التالية المعروضة؟
- ربما لم تعودي تعرفين حقًا ما هو شعورك وانت بحاجة إلى مجموعة الدعم من اشخاص يمرون بنفس الصعوبات؟
- قد تحتاجين البخث عن قصص نجاح من هم بمثل وضعكم لتحفيز التفاؤل والأمل في قلوبكم.
كيف أعرف متى أتوقف؟
تمر تقنيات المساعدة على الإنجاب بفترات تغيير وتطوير مذهلة اليوم. إنها بالتأكيد خيار رائع وفرصة ممتازة لأولئك الذين سيتم مساعدتهم في نهاية المطاف على تحقيق الانجاب. ولكن بالنسبة لأولئك الذين لا يستفيدون بسهولة من هذه التدخلات الطبية، قد يكون من الصعب الانتقال إلى حل آخر غير الحمل والأبوة البيولوجية، الا انه اختيار ليس مستحيل. كما أن هناك اهل يرغبون في أطفال، فالمقابل، هناك أطفال في حاجة الى أهل. يمكن التقديم لاحتضان طفل والتكفل به مدى الحياة.
احياناً يبدو أن هناك مجموعة لا نهاية لها من العلاجات والاجراءات التي يمكن للمرء أن يجربها. في هذا العالم من الخيارات التي تبدو غير محدودة، يحتاج كل منا إلى اختيار درجة التدخل (كم تقنية وعلاج نجربها) ومدى التدخل (كم من الوقت نستمر في التجربة) الذي يبدو أكثر ملاءمة لنا ولنا القدرة على احتماله.
إذاً، كيف نعرف متى نوقف علاجات الخصوبة؟ يختلف كل زوجين مصابين بتأخر الانجاب – في الموارد العاطفية، والموارد المالية، والراحة النفسية والاجتماعية مع الخيارات المختلفة. نحن مختلفون في مقدار الوقت الذي يجب أن نستثمره في محاولة الانجاب، ومختلفون في القدرات النفسية والجسدية للخضوع لتدخلات معقدة ومؤلمة أحياناً، ومختلفون في المكونات التي تدخل في الرغبة في الحصول على طفل.
لا توجد طريقة واحدة صحيحة للوصول إلى مثل هذا القرار. فبالنسبة لأحد الزوجين، قد تحدد ثماني دورات من الحقن المجهري وأطفال الانابيب ما يكفي، وبالنسبة لزوجين آخرين، قد يكون الاحتضان أو العيش بدون أطفال طريقاً أفضل من أي إجراءات جراحية على الإطلاق. وبالنسبة لزوجين آخرين، قد يكون الاستمرار والتكرار حتى يتم الانجاب.
ولا ننسى إن السعي في الانجاب وبذل الأسباب لا يُنافي التوكل على الله ولا ينقص الإيمان، وفي أوج المواقف العصيبة والمحن يأتي الفرج ويمتد لطف الله سبحانه بعباده. قال ﷺ: (من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر)، فكلما عظم البلاء وعظم الصبر معه يعظم الجزاء. قال تعالى: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ).
ما هي التحديات العاطفية لعلاج تأخر الانجاب؟
– إن علاجات تأخر الانجاب بطبيعتها تستهلك كل شيء. من المريح أحياناً تذكر ان العلاجات تستهلك الطاقة النفسية والقدرة الجسدية، حيث نميل أحيانًا إلى لوم أنفسنا على تقوقعنا، ونتساءل عما إذا كنا مهووسين بشكل غير مبرر وما إذا كنا سنستعيد منظورنا ونطاق اهتماماتنا الطبيعية خارج نطاق الانجاب. مع العلاجات، يتم تنظيم جداولنا الشهرية وحتى اليومية لتتناسب مع الادوية والمراجعات وغيرها مما يتعارض مع الوظائف والسفر والإجازات والحياة الاجتماعية والمسؤوليات العائلية.
– تُعد التقلبات المزاجية جزءًا روتينيًا من الخضوع للعلاج. يمكن أن يتحول كل شهر إلى رحلة أفعوانيه من الأمل والترقب والخيال والابتهاج والقلق، وفي كثير من الأحيان خيبة الأمل والحزن، وكلها تتزامن مع أحداث الدورة الشهرية وتزيد من تأثيرات التلاعب بالهرمونات. على سبيل المثال، يمكن أن تجلب الإباضة مشاعر الأمل والإثارة اللانهائية. إذا سارت العلاجات بشكل جيد، يمكن أن يجلب الأسبوعان التاليان مشاعر متناوبة من الرفاهية والسرور والقلق والتشويق.
إذا تأكد الحمل، يمكن أن تكون الاستجابة هي الابتهاج أو الإنكار أو القلق بشأن المشاكل المستقبلية أو انعدام المشاعر. بالنسبة لأولئك الذين مروا بالعديد من خيبات الأمل السابقة، قد تتفوق الحاجة إلى الحماية الذاتية على القدرة على الشعور بالبهجة. وبالطبع، يؤدي إلغاء الدورة العلاجية أو اختبار الحمل السلبي أو قدوم الدورة الشهرية مشاعر الفشل واليأس وعدم الجدوى والغضب.
– الغضب هو سمة حتمية ومفهومة لتأخر الانجاب وعلاجه. قد يتم توجيه الغضب بشكل خاطئ، إلى الأطباء والممرضات وشركات التأمين والأزواج. قد نوجه خيبة أملنا وغضبنا إلى الداخل ضد أنفسنا، وربما نوجه اللوم لأنفسنا بسبب خياراتنا في نمط الحياة (الخيارات الجنسية، والإجهاض، والزواج المتأخر، وتأجيل محاولات الحمل، تأجيل العلاج) التي قد تلعب دورًا في تأخر الانجاب. قد يستثير الأصدقاء أو الأقارب غضبنا بسبب ميلهم إلى الحمل دون عناء أو قول كل الأشياء الخاطئة. قد يكون هذا هو الوقت المناسب للسماح لأنفسنا للشعور بهذه المشاعر السلبية، التعرف عليها، تحليلها وتقبل حقيقة الأمر الواقع في تأخر الانجاب. من الطبيعي أن يلحق تأخر الانجاب سواء كان عند الرجل أو الامرأة هَمٌّ وحزنٌ، وهذا أمر طبيعي من الفطرة، لا يؤاخذ عليه المرء شرعًا ولا يُلام على ذلك، فإن صبروا واحتسبوا الأجر على الله وأحسنوا الظن الله جوزوا أجرًا عظيماً.
– العزلة هي نتيجة متكررة لتأخر الانجاب وعلاجه. قد يؤدي تأخر الانجاب إلى حدوث شرخ غير معلن في كثير من الأحيان، “ونأمل أن يكون مؤقتًا” بيننا وبين أقرب أصدقائنا وأقاربنا. وهذه مشكلة للرجال والنساء على حد سواء. في الواقع، قد يعاني الرجال في مجتمعنا أكثر من هذه العزلة، حيث أن هناك محظورات ثقافية كبيرة على الحديث عن تأخر الانجاب بالنسبة للرجال. كما أن مشاركة المشاعر ليست امر رائج ويشجع عليه باستمرار. في مجتمعنا، يكنى الرجال بـ “أبو فلان” منذ صغره فيصعب عليه تحقيق هذا اللقب بعد الزواج. أيضًا، لأن الرجال عادةً ما يضعون أنفسهم في دور الشريك الداعم والعقلاني، فقد يُحرمون من فرصة التعبير عن خيبة أملهم ومخاوفهم، ويشعرون بأنهم محبوسون في دور” المشجعين“ المرهق بدون قدرتهم على التعبير عن غضبهم و حزنهم و خيبة املهم. ومن المفارقات أن النساء غالبًا ما يشعرن أن أزواجهن يمكن أن يكونوا أكثر دعمًا لهن إذا ما شاركوهم آلامهن وحيرتهن.
هل يمكن أن يؤثر تأخر الانجاب على العلاقات الزوجية؟
تواجه الزيجات بعض التحديات الثقيلة أثناء العلاج. قد تتعطل الأنماط الطبيعية لقضاء الوقت معاً والإنفاق بأريحية والعلاقات الجنسية أثناء العلاج. وثمة مشكلة إضافية تتمثل في أن أزواجنا يتعاملون مع مزيج فريد من المشاعر وردود الأفعال الخاصة بهم من مشاعر وردود أفعال وأمل ويأس، ووفقًا لجداولهم الزمنية الخاصة بهم، والتي غالبًا ما تكون في دورة معاكسة تمامًا لدورة حياتنا.
وبالتالي، قد يبدو أنه في الوقت الذي تحتاج فيه الزوجة الى دعم زوجها في تعزيز الأمل بالاعتقاد بأن الحقن المجهري و الانابيب و متابعة الاباضة والتلقيح الصناعي وغيرها من التدخلات للإنجاب، تحمل الحلول الاكيدة للإنجاب، فقد تصاب بالخذلان وخيبة الأمل عندما لا يشاركه زوجها نوبة التفاؤل بنفس الحماس. وبالمقابل، الإحساس بالذنب قد يكون احد العوامل المدمرة للعلاقة الزوجية، قد يكون أحد الزوجين (غير السليم) وصل لمرحلة اليأس وتقبل الأمر الواقع و يرفض الاستمرار بالعلاج، بينما يشعر الطرف الآخر بطفرة من التفاؤل أو حتى الإنكار.
كما كثير من الأزواج اتخذوا قرار الانفصال من طرف واحد على زعم حماية الطرف السليم من عقبات تأخر الانجاب بدون استشارتهم مما أدى الى عواقب نفسية وخيمة للطرف الآخر.
الايمان بالله ثم لأمل والوقت وأشياء أخرى يجب مراعاتها
الايمان بالله ثم الأمل هو المحرك الذي يجعلنا نمضي قدمًا خلال قسوة التشخيص والعلاج. إن الايمان بالله أن يوقن أنه ما من أمرٍ قضاه اللهُ وقدَّره إلا لحكمة بالغة، واحد اركان الايمان هو الايمان بالقضاء خيره وشره. وثبات اليمان بالله والأمل والتفاؤل هو أعظم مواردنا من نواحٍ عديدة. ومع ذلك، في بعض الأحيان، عندما لا يتحقق وعد العلاج بعد العديد من الدورات العلاجية والتدخلات، قد نبدأ في التساؤل عما إذا كان أملنا لا يزال يخدمنا بشكل جيد أو ما إذا كان يمنعنا من المضي قدمًا. وتقبل الحياة بدون أطفال.
وبالمثل، قد نحتاج إلى النظر إلى الوقت بشكل مختلف، بينما نقوم بتقييم ما إذا كنا سنضع حدًا أو نهاية للعلاج. علينا التأكد ان الوقت لن يجعل الأمر أصعب. يتطلب الامر إعادة جدولة للمشاعر لنرى أن الوقت قد يكون في صالحنا في عملية إعادة تجميع أنفسنا عاطفيًا أم لا.
حد الانهاك من العلاج وايقافه؟
على الرغم تشمل توصية الطبيب بإنهاء العلاج تعتمد بشكل كامل على العوامل الطبية، إلا أن هناك العديد من الحالات التي يجب على الزوجين فيها التعامل مع مسألة المضي قدمًا دون وجود ضغوطات خارجية أو توصيات طبية.
يقف قرار إنهاء علاج تأخر الانجاب عند تقاطع الحقائق والمشاعر، ودائمًا ما يكون نتيجة معادلة شخصية للغاية. غالبًا ما يتم اتخاذ قرار إنهاء العلاج، بشكل مؤلم وعلى مضض من جميع النواحي.
يتضمن اتخاذ قرار إنهاء العلاج من عدمه ما يلي
- تقييم ووضع حدود لمواردنا المادية ووضعها,
- الاستماع بعناية شديدة إلى أصواتنا الداخلية واستفتاء قلوبنا وان افتونا,
- التواصل بطريقة واضحة وواعية مع الزوجة/الزوج.
الوقت والموارد المالية والعاطفية والجسدية هي أهم الموارد التي يمكن التفكر فيها وبناء القرار عليها.
بعد العديد من الدورات العلاجية غير الناجحة، نبدأ بسؤال أنفسنا “ما هي التكاليف والأولويات بالنسبة لنا ولزواجنا. ما مقدار الوقت الذي نحن على استعداد لاستثماره في هذا الأمر؟ والى متى يمكننا الاحتمال؟ هل احتضان طفل خياراً ممكناً؟ هل يمكن تأجيل العلاج واخذ قسط من الراحة أو انهاء العلاج والاستمتاع بحياة زوجية مثمرة وان كانت بدون أطفال؟”
الختام
قال الله سبحانه وتعالى:(وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى)
مع إيماننا بأن حياتنا مقدرة فى علم الله، لكن طالما نحن لا نعلم ما تخبئه الأقدار فعلينا مواجهتها بما ملكت أيدينا. فمن ابتغى الرزق ناله، ومن بذل جهده في عمل أدرك ثمرته، لن يضيع شيء من السعي والعمل والكسب؛ ولن يغيب شيء عن علم الله وميزانه الدقيق وسينال كل امرئ سعيه وافيا سواء فالدنيا أو فالآخرة.
لذلك ليس من الضروري أن تكوني قد جربتِ كل ما هو متاح من العلاجات، ولكن يجب أن تعرفي أنكِ بذلتِ أقصى جهدك مع مراعاة مواردك البدنية والعاطفية والمالية وكل سعيك سوف تجازين عليه ان شاء الله.